
من هو صلاح الدين
هو الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي، والملقب بـ “صلاح الدين الايوبي” ولد عام (532 هجري والموافق 1138 من التاريخ الميلادي في مدينة تكريت ويعود لقب الايوبي نسبة إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا. صلاح الدين الايوبي هو قائد عسكري ينسب اليه انهاء الدولة الفاطمية الشيعية في مصر وتأسيس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في تحت حكم الخليفة العباسي. وقد استطاع صلاح الدين القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر والتي استمر قرابة 260 عام. كان صلاح الدين يقول بمذهب أهل السنة والجماعة،
عرف عن صلاح الدين تسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه، لذا فهو من أكثر الأشخاص التاريخية التي حازت على تقديرا واحتراما ببين المؤرخين المسلمين وغيرهم.
ولده هو نجم الدين الايوبي والذي كان والياً على بعلبك مدة سبع سنوات ثم انتقل إلى دمشق تحت حكم الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وقد وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق كما أمضى فترة شبابه في بلاط الملك العادل نور الدين محمود. عرف عن صلاح الدين حبه الشديد للعلوم عامة وللفقه الإسلامي خاصة. وبرع في دراساته، حتى قال عنه بعض المؤرخين عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات المجسطية وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، كان صلاح الدين الايوبي ملمًا بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر.
بداية وظهوره صلاح الدين
في الوقت الذي كانت الدولة العباسية ضعيفة وممزقه الى عدد من الدويلات المتناحرة بالإضافة الى استلاء الفاطميون على حكم مصر ويدعون لخلفائهم على منابر المساجد ولا يعترفون بخلافة بغداد، في نفس الوقت الذي يحتل فيها الصليبيون الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من آسيا الصغرى إلى شبه جزيرة سيناء، لمع نجم الشاب التقي صلاح الدين الايوبي.
عندما جاء الوزير الفاطمي شاور بن مجير السعدي إلى الشام مستغيثًا بالملك نور الدين زنكي في دمشق وهرباً من الوزير ضرغام الذي استولي في ذلك الوقت على مقاليد الحكم في مصر.
أرسل الملك نور الدين محمود، أسد الدين شيركوه مع الوزير شاور بصحبة مجموعة عسكرية كان من بينها صلاح الدين والذي كان عمره في ذلك الوقت الستة والعشرين عاماً.
أراد نور الدين تحقيق هدفين من إرسال هذا الجيش وهم قضاء حق شاور لكونه قصده، وأنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.
وكان نور الدين كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك، وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش في عام 559 هـ ودخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على مقاليد الحكم وتحقيق ما جاءه من اجله في نقس العام.
خيانه الوزير شاور لاسد الدين شيركوه
ومن المعروف أن صلاح الدين لم يلعب دورًا كبيرًا خلال هذه الحملة الأولى، بل اقتصر دوره على مهمات ثانوية. وبعد وصل شاور الى مراده في مصر وتخلص من الوزير ضرغام واستقرا له الأمر أرد ان يغدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالصلبين عليه فحاصروه في بلبيس ثلاثة أشهر، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها، ولكن تحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر بالإضافة إلى قلة عدد الجنود الشامية أجبر على الانسحاب من البلاد.
بلغ الامر الى نور الدين في دمشق وكذلك أسد الدين مكاتبة الوزير شاور للصلبين وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد هناك فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين
وكان وصول أسد الدين إلى البلاد متزامن من وصول الصلبين إليها، فاتفقوا مع الفاطميين عليه، فاشتبكوا في أوّل معركة كبيرة في صحراء الجيزة، وفي تلك المعركة لعب صلاح الدين دورًا كبيرًا، حيث كان جيش الفاطميين والصلبين يفوق جيش الشام عددًا، ولكن استطاع جيش شركوه هزيمتهم بعد عمل خطه عسكرية محكمه لعب فيها صلاح الدين الدور الأكبر واستطاع اسر واستطاع صلاح الدين أسر أحد قادة الجيش الصليبي عندما هاجم جناحه، وهو والي قيسارية.
معركة الإسكندرية
بعد هذا الانتصار، توجه أسد الدين إلى مدينة الإسكندرية المعروفة بكرهها لشاور، وفتحت له أبوابها. سرعان ما أعاد عموري الأول ملك بيت المقدس، والوزير شاور ترتيب الجيش، وكان جيشهما لا يزال أكثر عددًا من جيش أسد الدين، وضربوا حصارًا قاسيًا على الإسكندرية. فقرر أسد الدين التسلل مع حامية إلى خارج الإسكندرية واستخلف صلاح الدين عليها، متوجهًا إلى مصر العليا أملاً بأن تلحق به جيوش عموري إلا أن شاور أشار بأهمية الإسكندرية، ليستمر الحصار عليها. ثم تم التفاوض بين جيش اسد الدين والصلبين على أن يخرج كلا الجيشين من مصر، وعلى ألا يعاقب أهالي الإسكندرية للدعم الذي قدموه.
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر مرة ثالثة، عندما حاول الصلبين الهجوم على مصر نظرًا لتخلف شاور عن دفع الإتاوة إلى الحامية الصليبية الموجودة في مصر.
ولما علم الملك عموري الأول بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر قرر مباغتته عند السويس، لكن أسد الدين أدرك ذلك فاتجه نحو الجنوب متجاوزًا الصليبيين. فما كان من عموري إلا الجلاء عن أرض مصر.
حاول شاور مرة اخري الغدر بأسد الدين فما كان لأسد الدين غير القبض عليه وأصدر الخليفة الفاطمي، العاضد لدين الله، أمرًا بقتله وعيّن أسد الدين كوزير.
تأسيس الدولة في مصر
عند قدوم صلاح الدين مصر كان الدولة الفاطمية ضعيفة، ولم يكن للخليفة الفاطمي في ذلك الوقت سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، ولذلك أصبح أسد الدين شيركوه هو الرجل الأول في البلاد، عندما توفي أسد الدين، أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين.
حدثت عدة انتفاضات ضد الوزير الجديد نتيجة طمع الكثيرين في الدولة الفاطمية الواهنة، وتعرض صلاح الدين لمحاولة اغتيالا بعد بضعة أشهر فقط من توليه الوزارة من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين،
وسمة ان تكرر الامر مرة اخري ثار عدد من الجنود ضده لكنه استطاع أن يقمعهم ويكسر شوكتهم، وكانت تلك آخر انتفاضة ضد صلاح الدين تقع في المدينة.
تحركات الصليبين ضد صلاح الدين
بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين، أحس الصلبين بالخطر واستعد الملك عموري لأرسال حملة صليبية جديدة، حيث وجدو ان الفرصة سانحة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.
استطاع صلاح الدين الاستعداد جيدا، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله واستبداله بحرس موالين له. وكان ذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها بسبب عدم حماسة الأمراء والبارونات الصليبيين للمعركة بعد المعارك الأخيرة التي هُزموا فيها.
قدوم الحملة الصلبية على مصر
وعندما حضرت الحملة الصليبية راو ان يبدوا بحصار مدينة دمياط وكان ذلك سنة 565 هـ، الموافق عام 1169م، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، فحين أرسل إلى نور الدين زنكي رسالة يوضح فيها المخاطر التي يوجها وخوفه من ثورة في الداخل وحصار الصلبين في الخارج.
فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيين ليخفف الضغط عن مصر. وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهر، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيؤوا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا.
راي صلاح الدين انه من الأفضل الاحق بفلول الجيش الصليبي المنسحب شمالاً حتى اشتبك معهم في مدينة دير البلح سنة 1170م، فخرج الملك عموري الأول وحاميته من فرسان الهيكل من مدينة غزة لقتال صلاح الدين، لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة.
انتهاء الدولة الفاطمية
يعد هذا الانتصار هو المسمار الأخير في نعش الدولة الفاطمية في مصر، وأصبح من الواضح أن الدولة الفاطمية تلفظ أنفاسها الأخيرة، فأرسل نور الدين إلى صلاح الدين طالبًا إياه بإيقاف الدعاء إلى الخليفة الفاطمي والدعاء إلى الخليفة العباسي في مساجد مصر.
لم يرغب صلاح الدين الامتثال لهذا الأمر خوفًا من النفوذ الشيعي في مصر، وأخذ يراوغ في تأخير الأمر، إلا أن نور الدين هدد صلاح الدين بالحضور شخصيًا إلى القاهرة. فاتخذ صلاح الدين الإجراءات الشرطية اللازمة، لكن لم يتجرأ أحد على القيام بذلك، حتى جاء شيخ سني من الموصل زائرا وقام في المسجد الأزهر وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله في أول جمعة من سنة 567 هـ، الموافق في شهر سبتمبر من سنة 1171م، لتحذو القاهرة كلها حذوه،
في ذات الوقت الذي كان فيه العاضد لدين الله اخر الخلفاء الفاطميين على فراش الموت مريضًا، ولم يلبث طويلاً حتى فارق الحياة، فأصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي في مصر، ونقل أسرته ووالده نجم الدين إليها ليكونوا له أعوانًا مخلصين، وبهذا زالت الدولة الفاطمية تمامًا بعد أن استمرت 262 سنة.
تعرف على حياة الفاروق عمر بن الخطاب من هنا
زوال المظهر الشيعي من مصر وتحولها الى المذهب السني
بداء صلاح الدين بإزاله كل المظاهر الشيعية في مصر وكان أولها تحويل الجامع الأزهر، الذي أسسه الفاطميون كمدرسة لنشر الدعوة الإسماعيلية إلى مدرسة للسنّة.
كما أخذ صلاح الدين يقوّي مركزه في مصر، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وعزل قضاة الشيعة واستبدلهم بقضاة شافعيين، وألغى مجالس الدعوة وأزال أصول المذهب الشيعي الإسماعيلي.
ثم اخذ قرار بطلان الأذان بحي على خير العمل محمد وعلي خير البشر، وأمر في يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة سنة 565 هـ، الموافقة سنة 1169م، بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون جميعًا ” أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب”، كما أسس مدرستين كبيرتين في الفسطاط هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبّت مذهب أهل السنة في
ضم الشام الى الدولة الأيوبية في مصر
توفي نور الدين زنكي وقد استخلف ولده الملك الصالح إسماعيل ذي الأحد عشر ربيعًا، أميرًا على دمشق، وبعد أن توفي نور الدين كان أمام صلاح الدين خياران كلاهما مرّ وهما، إما أن يُهاجم الممالك الصليبية من مصر ويتركها مفتوحة وعرضة لهجمات بحرية أوروبية وبيزنطية، أو أن ينتظر حتى يستنجد به الملك الصالح.
كذلك راي صلاح الدين انه يجب ان يدخل دمشق ويسيطر عليها ويتولى شؤون البلاد بنفسه، ليستعد لقتال الصليبيين، غير أنه تردد في فتح دمشق خوفا من ان يُنظر إليه حينها أنه قد شق عصا الطاعة ونكر المعروف والثقة التي منحه إياها نور الدين زنكي عندما ولاّه قيادة الجيوش.
فضّل صلاح الدين انتظار دعوة من الملك الصالح، أو أن ينذره بنفسه من احتمال تصاعد الخطر الصليبي على دمشق. ولكن سرعا ما اختلفت الأحوال بالشام، فنُقل الصالح إسماعيل إلى حلب وعُين سعد الدولة كمشتكين، أمير المدينة وكبير قدامى الجنود الزنكيين، وصيًا عليه حتى يبلغ أشدّه، والذي سرعان ما طمع بتوسيع رقعة نفوذه حتى تشمل باقي مدن الشام الداخلية والجزيرة الفراتية، وقرر فتح دمشق، فهب المقدم صلاح الدين، وجهز جيش كبير من مصر متجهاً الى دمشق مظهرًا أنه يتولى مصالح الملك الصالح.
ثم قرر صلاح الدين الانطلاق لضم باقي مدن الشام الداخلية التي انفصلت بعد موت نور الدين.
صلاح الدين ملكاً على البلاد
أعلن صلاح الدين نفسه ملكًا على البلاد التي افتتحها بعد انتصاره على الزنكيين، وخطب له أئمة المساجد يوم الجمعة باسم “الملك الناصر”، وضُربت الدنانير الذهبية في القاهرة باسمه.
لم فات وقت حتى أصبحت سيادة صلاح الدين على البلاد سيادة مشروعة عندما أسند الخليفة العباسي في بغداد إليه السلطة على مصر والمغرب الأدنى والنوبة والحجاز وتهامة وفلسطين وسوريا الوسطى، وخلع عليه لقب “سلطان مصر والشام”.
بنا الدولة الأيوبية في مصر
بقي صلاح الدين في القاهرة يُشرف على الأعمال العمرانية فيها بعد العودة من اسفاره نتيجة الحروب التي خاضها، فبنى إلى جانب المباني العسكرية بضعة مدارس لنشر العلم، وتابع إدارة البلاد الداخلية بنفسه، واهتم بالمؤسسات الاجتماعية التي تساعد الناس وتخفف عنهم عناء الحياة، وتعهد بالإنفاق على الفقراء والغرباء الذين يلجؤون للمساجد للعيش فيها، وجعل من مسجد أحمد بن طولون في القاهرة مأوى للغرباء الذين يأتون إلى مصر من بلاد المغرب
الحروب صلاح الدين ضد الصليبيين
بعد أن نجح صلاح الدين يحكم دولة قوية تضم مصر وسوريا والحجاز وتهامة والعراق في دولة إسلامية موحدة تحيط بمملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب، قرر التوجه لمحاربة الصلبيين.
وجاءَته الفرصة حين تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك لقافلة من المسلمين فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض استعد صلاح الدين وقام بتجهيز الجيوش.
معركة حطين
استطاع صلاح الدين التمركز في حطين سابقا الصليبيون، وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه، وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول، ولمّا حصل ووصلوا إلى الموقع كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر بدلاً من الماء فسكر منهم الكثير، وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل من الفريقين عدد من الجنود، وكان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار، فانقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة ساعات طويلة، وما أن انقشع غبارها حتى تبيّن مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين، فقد خسروا زهرة شباب جنودهم، وقُتل العديد من الفرسان والضبّاط المخضرمين، ووقع الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من كبار الصليبيين بالأسر.
صلاح الدين يحاصر بيت المقدس
ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي، حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الصلبيين الكبار يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها منذ أن غادرها الملك غي. وكان خوف باليان الأكبر أن يقتل المسلمين كل مسيحيي القدس عند دخولهم كما فعل الصليبيون عندما فتحوا المدينة، فحث السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أرسل له صلاح الدين أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل، وأصر على القتال واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا.
ولكن بعد فترة من الحصار استطاع الطرفان لعقد اتفاق ينص على السماح لكل السكان المسيحين بالخروج من المدينة ودفع فدية عن كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل وخمسة دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا، صار حرًا. ثم سمح صلاح الدين بعد أن انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية.
دخول صلاح الدين الى بيت المقدس
دخل صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583 هـ، الموافق فيه 2 أكتوبر سنة 1187م، وسمح لليهود بالعودة للمدينة، وهو ما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس. وأغلق صلاح الدين كنيسة القيامة بوجه الصلبيين بعد فتح المدينة، وأمر بترميم المحراب العمري القديم وحمل منبر مليح من حلب كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب بالمسجد الأقصى، وازالت كل آثار مسيحي.
ما لبث صلاح الدين الا ان توجه الى استكمال مسيرة الفتوحات للممالك الصليبية وبدا بحصار صور وفتحها ثم توجه لفتح عكا
الحملة الصليبية الثالثة
كانت معركة حطين وفتح القدس سببين رئيسيين لخروج الحملة الصليبية الثالثة، حيث حثّ البابا غريغوري الثامن ملوك أوروبا على شن حملة صليبية جديدة لاستعادة بيت المقدس، فكان أول من لبى النداء الإمبراطور الألماني فريدريش بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس الذي سار بجيشه برًا عبر المجر ورومانيا حتى بلغ القسطنطينية، ولكن الحملة بات بالفشل نتيجة عدم تعاون الامبراطور البيزنطي والذي كان عقد اتفاق سري مع صلاح الدين. ولكن لم تتوقف الحملة عند ذلك، بل تصدى لتلك الحملة أيضًا ملكان من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت هما ريِتشارد الأول الملقب بـ “قلب الأسد” ملك إنجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، اللذان مُوِّلاها بفرض ضريبة خاصة عُرفت بعشور صلاح الدين.
استطاعت تلك الجيوش احتلال عكا، التي سقطت في عام 587 هـ، الموافق لعام 1191م، أمام القوات التي يقودها ريتشارد، وأُعدم فيها ثلاثة آلاف سجين مسلم منهم نساء وأطفال.
اشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الأسد في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين، إلا أن الصليبيين لم يتمكنوا من التوغل في الداخل وبقوا على الساحل، وبقيت الحرب سجال بين الفريقين، وفشلت كل محاولات الصليبيين لغزو القدس.
صلح الرملة
لجأ الفريقان بعد ذلك إلى الصلح، وعقدت هدنة في 20 شعبان سنة 588 هـ، الموافق فيه 1 سبتمبر سنة 1192م، لمدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر تبدأ من ذاك التاريخ، بعد أن أجهدت الحرب الفريقين، التي بموجبها تنحصر مملكة بيت المقدس الصليبية في شريط ساحلي ما بين يافا وصور، وتظل القدس في أيدي المسلمين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها.
وفاة صلاح الدين
كانت المواجهة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، مرض صلاح الدين بالحمى الصفراوية، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً، وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى قال طبيبه الخاص، أن أجل السلطان أصبح قاب قوسين أو أدنى، واستمر المرض يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف، وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب. توفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في 4 مارس سنة 1193م، الموافق فيه 27 صفر سنة 589 هـ، فأفجع موته المسلمين عمومًا والدمشقيين خصوصًا.