
تبحر سفينة أبو العريف اليوم بين طيات الزمان لتحضر شخصية اثرت كثيرا في الفكر والتاريخ الإسلامي وكان له الفضل في تجميع أحاديث السنة النبوية والسيرة وهو الامام البخاري.
من هو الامام البخاري
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزبَه الجعفي البخاري، الملقب بـ أبو عبد الله، اختلف المؤرخون حول أصله، اهو عربي أم فارسي أم تركي، فنسبه البعض الي جدّه الأكبر بردزبه الذي كان فارسي الأصل، عاش ومات مجوسيّاً. ويقال جدّه المغيرة قد أسلم على يد والي بخاري: يمان المسندي البخاري الجعفي. فانتمى إليه بالولاء وانتقل الولاء في أولاده، وأصبح الجعفي نسباً له ولأسرة البخاري. كما ذهب البعض الي ان أصله تركي من الأوزبك وهو ما لمح له عدد من المؤرخين مثل حمد الله المستوفي وأبو سعيد الجرديزي وعبد الرزاق السمرقندي. في حين ذهب البعض الي ان نسبه عربي من الجعفيين. فذكر عدد من العلماء أن جدّه الأكبر هو الأحنف الجعفي وأن «بَرْدِزبَه» صفة وليس اسماً وتعني “الفلاح” وهو ما تعود العرب عليه في البلدان الأعجمية.
ولد البخاري في يوم الجمعة 13 شوال لعام 194 هـ الموافق 20 يوليو 810 م. في مدينة بخاري إحدى مدن أوزبكستان الحالية، في هو أحد كبار الحفّاظ الفقهاء من أهم علماء الحديث وعلوم الجرح والتعديل والعلل عند أهل السنة والجماعة، ينسب له العديد من المصنّفات والتي أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المعروف بـ “صحيح البخاري”، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وقد أمضى الامام البخاري في جمعه وتصنيفه ما يقرب من ستة عشر عاماً.
نشأ محمد بن إسماعيل البخاري يتيماً وطلب العلم منذ صغره ورحل في أرجاء العالم الإسلامي في رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وقد سمع مما يقرب من ألف شيخ، وقد جمع حوالي ستمائة ألف حديث. اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه، حتّى لقّب بأمير المؤمنين في الحديث.
وتتلمذ علي يد الامام البخاري الكثير من كبار أئمة الحديث المعرفين منهم الامام مسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي وغيرهم، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً مجرّداً للحديث الصحيح. وهو أوّل من ألّف في تاريخ الرجال. امتُحن أواخر حياته وتُعصّب عليه حتى أُخرج من نيسابور وبخاري فنزل إحدى قرى سمرقند فمرض وتوفِّي بها.

مولد الامام البخاري
ولد الإمام في مدينة بخاري والتي انتسب اليها وهي إحدى مدن أوزبكستان حالياً، تربّى في بيت علم وهو الامر الذي كان له أكبر الأثر في تكوين شخصيته إذ كان أبوه من رجال العلماء المحدّثين، واشتهر بين الناس بسمته وورعه وتوفي ولده وهو صغير. فنشأ في حجر أمه، ويذكر انه أصيب بمرض في عينه وهو صغير وفقد بصره وبعد علاجا طويل شفيه ورد اليه بصره.
كان الامام البخاري يجتهد في طلب العلم وحفظ الأحاديث وتحقيقها وهو صغير، وحفظ القران صبيّاً فأخذ في حفظ القرآن الكريم وأمهات الكتب المعروفة في زمانه، حتى إذا بلغ العاشرة من عمره، بدأ في حفظ الحديث، وشهد الاختلاف بين الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات العلم، وبالإضافة إلى حفظ الحديث فإنه كان حريصاً على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ومعرفة علل الأحاديث وسبر أحوال الرواة من عدالة وضبط ومعرفة تراجمهم وإتقان كلّ ما يتعلّق بعلوم الحديث عموماً.
رحلات الامام البخاري العلمية
خرج الامام في عام 210 هـ إلى الحج بصحبة والدته وأخيه أحمد، حتى إذا انتهت مناسك الحج رجعت أمه مع أخيه إلى بلدها، بينما بقي البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، فلبث في مكة مدّة ثم رحل إلى المدينة المنورة.
وقد تعددت رحلات الإمام العلمية للأخذ عن كبار المشايخ في انحاء الدولة الإسلامية، والرواية عن المحدّثين، فترحل الي اغلب البلدان والمدن الإسلامية في ذلك الوقت للسماع من علمائها. وابتدأ طلبه للعلم في بلده بخاري بعد خروجه من الكتّاب، فسمع من شيوخ بلده، ثم توسع ورحل إلى الأقاليم المجاورة ليسمع من شيوخها، فرحل إلى بلخ، ومرو، والريّ وهراة ونيسابور. وكان عمره أول مرة دخل نيسابور خمس عشرة سنة. ثم ارتحل إلى الحجاز فدخل مكة ثم رحل إلى المدينة النبوية فاستقرّ بها مدّة، ثم انطلق في الأمصار حتى شملت رحلاته أغلب الحواضر العلمية في وقته. فرحل إلى العراق فدخل بغداد وواسط والكوفة والبصرة وبالشام: دمشق وحمص وقيسارية وعسقلان كما رحل إلى مصر.
شيوخ الامام البخاري
أتاحت رحلات الإمام البخاري الفرصة للقاء عدد كبير من الشيوخ والعلماء، في جميع انحاء العالم الإسلامي في ذلك الوقت حتى بلغوا أكثر من ألف رجل. وكلهم من أصحاب الحديث فقط وهذا كما روي الامام نفسه فقد ذكر في كتابه: «كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث ولم يكن الامام البخاري يروي ويودون كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ.
وقد رتب العلماء شيوخ البخاري بعدة طرق مختلفة منهم من ورتّبهم حسب الأقطار ومنهم من رتّبهم حسب الطبقة، كما ذهب البعض الي ترتيبهم حسب عدد الروايات، او حروف المعجم.
ام عن أشهر الشيوخ والعلماء الذين اخذ منهم الامام علومه وأّثروا في تكوينه العلمي ومنهجه الحديثي هم علي بن المديني، والامام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، والفضل بن دكين.
تلاميذه الامام البخاري
تتلمذ علي يد البخاري عدد من علماء المسلمين الاجلاء والذين اثرو في الثقافة الإسلامية الي يوميا هذا ومن أشهر هؤلاء الإمام مسلم بن الحجاج، هو يعد من أبرز تلاميذ الإمام البخاري وصاحب كتاب صحيح مسلم، ثاني أصح الكتب المصنّفة عند أهل السنّة والجماعة بعد صحيح البخاري. ومن أخذ عنه عدد كبير من كبار الحفّاظ منهم ابن خزيمة، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأحمد بن سلمة النيسابوري، وأبو عيسى الترمذي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وحسين بن محمد القبّاني، ويعقوب بن يوسف بن الأخرم، وجعفر بن محمد النيسابوري، وأبو القاسم البغوي، والحسين بن إسماعيل المحاملي، وغيرهم الكثير.
كتب الامام البخاري
ألف البخاري الكثير من الكتب والمصنفات ولكن فقد الكثير منها ولم نعلم عنه الا مما روي عنه، وقد هيّأه للتأليف والكتابة وأعانه عليها ذكاؤه الحاد، وسعة حفظه، وذاكرته القوية، ومعرفته الواسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من تعديل وتجريح، وخبرته التامّة بالأسانيد من صحيح وضعيف. وقد وصلنا بعض كتبه وطُبعت بينما لا يزال بعضها مفقوداً. وجُلّ مصنّفاته وكتبه لا تخرج عن السُنّة والحديث وعلومه من رواية ودراية ورجال وعلل. ومن هذه المصنّفات.
ام عن أشهر الكتب فيعد كتابه الجامع الصحيح او “صحيح البخاري” هو أشهر كتب الحديث النبوي على الإطلاق عند أهل السنة والجماعة وهو أصح كتاب بعد القرآن الكريم واستغرق تصنيف الكتاب وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاماً. وقد جمع فيه الامام حوالي 7593 حديثاً حسب عدّ محمد فؤاد عبد الباقي، اختارها الإمام البخاري من بين ستمائة ألف حديث يحفظها. حيث إنه كان مدقِّقاً في قبول الرواية، واشترط شروطاً خاصة دقيقة في رواية راوي الحديث،
شرط الرواية عند الامام البخاري
وضع الامام البخاري عدة شروط عند كتابة الجامع الصحيح وهي كتالي:
- وهي أن يكون معاصراً لمن يروي عنه
- أن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معاً
- وجوب اتصاف الراوي بالثقة والعدالة والضبط والإتقان والورع
ويذكر ان بعد انتهاء الامام من تصنيف وترتيب الكتاب عرضه على عدد من أكابر علماء عصره ومنهم أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد القرآن الكريم.
ومن أشهر مؤلفات الامام الأدب المفرد – رفع اليدين في الصلاة – القراءة خلف الإمام – المسند الكبير – علم التراجم وعلم الرجال –التاريخ الكبير – التاريخ الأوسط – التاريخ الصغير – التفسير الكبير – خلق أفعال العباد
مذهب الامام البخاري الفقهي
اختلف العلماء في تحديد مذهب الفقهي الذي يتبعه الإمام البخاري. وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال، منهم ممن قال انه ممن اتباع احمد ابن حنبل ونسبه الي مذهب الحنابلة ومنهم من نسبه الي الشافعية، ومن هؤلاء تاج الدين. ام الري الاخر فيعتبر الامام مجتهد مستقل لا يتبع أي من المذاهب الأربعة المعروفة وهو الراي رجح لدي عدد كبير من العلماء من المتقدّمين والمعاصرين.

وفاة الامام البخاري
وقع الامام في محنتين في عصر فتنة خلق القران الاولي كانت مع شيخه محمد بن يحيى الذهلي على رأس جماعة من الفقهاء والمحدّثين في عصره محنته والثانية كانت مع ولي مدنية بخاري.
بعد محنته الأخيرة مع امير بخاري اتجاه الي إلى خرتنك، وهي قرية من قرى سمرقند، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. فأقام مدة من الزمن فمرض واشتد مرضه. وقد سُمع ليلةً من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول في دعائه: «اللهم إنه قد ضاقت على الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك.» وكانت وفاته ليلة عيد الفطر الأول من شوال عام 256هـ
من أقوال الامام البخاري
“ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين”
“لا أعلم شيئا يُحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة”
“ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثًا صحيحًا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي”
“ما أردت أن أتكلم بكلامٍ فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه”
“أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا”
رحمة الله الامام محمد إسماعيل البخاري